الأبحاث العلمية

الترجيح بين دلالة السياق وسبب النزول

  • طباعة
.
نشر بتاريخ السبت, 13 أيلول/سبتمبر 2014 02:06

 

ملخص البحث

يدرس هذا البحث مسألة قديمة جديدة، إنها مدى دلالة السياق القرءاني مقارنة بسبب النزول المعتبر، أيهما أقوى دلالة في الترجيح إن استحال الجمع بينهما في ظاهر السياق.

فالقديم في هذا البحث هو أهمية السياق في الترجيح بين المعاني بما يتناسب مع المراد من النص القرآني فيما ظهر من السياق، وفي تبيين ما أجمل وتخصيص لما عُمم أحيانا، كما أنه المعنى الذي يربط الكلمات والآيات ببعضها.

والجديد في هذا البحث دعاوى ترى لهذا الفن البياني الذوقي الاجتهادي حكما على ما ثبت من سبب للنزول صحيح السند صريح العبارة في السببية. والذي اتضح من خلال البحث بأن هذه الدعاوى لا سلف لها، ولا دليل تقوم به حجة معتبرة.

 

ولما اصطدم هؤلاء الباحثون بسبب النزول وحجيته لجؤوا إلى خطأ آخر وهو إنكار صيغة سبب النزول الصريحة الصحيحة، مع أن الصيغ مسألة لغوية تعارف عليها الناس وتعاملت بها العقول فهما وإدراكا، وقام عليها القضاء والشرع في كثير من أحكامه.

ثم انتهى هذا البحث إلى ترجيح سبب النزول على السياق، وإلى ضرورة البحث عن السياق المناسب الذي يجمع السبب مع المناسبة للنص القرآني، مقتفين أثر العلماء في مثل هذه الأحوال، وهي ليست كثيرة.

l

Abstract

 

This research is studying the old-new problematic: it is the context sign of the Quran compared to the reasons come down in the Quran; whichever is stronger significance in the preference that was impossible to combine them in a visible context

 

The old in this research is the importance of preference between the meanings commensurate with the meaning of the Quranic text in the back of context, and identify what the most beautiful and the allocation of what is sometimes circulated, as it connects the meaning of words and verses together.

 

And the new in this research is considers that look for this high art of statement discretionary ruling on the proven reason come down of true authority explicit statement in the causation. And which has been shown through research that these cases do not advance, nor does it guide you, considering the argument of

 

When these researchers ran these reason come down and its logic and resorted to another error, which is a denial of the explicit formula of the right reason come down, that the formulas with linguistic question of acquaintance by the people and dealt with understanding and aware minds, and by the judiciary and Islam in many of its provisions

 

Then this search is ended likely to the reason come down on the context, and to the need to search for the appropriate context, which combines with the appropriate reason of the Quranic text, following the religion scientists in such cases, which is not many.

 تمهيد

إن البيان نعمة من نعم الله العظمى التي ميز بها الإنسان بما حباه من عقل وفهم وذوق، قال تعالى: )الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآَنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(([1])

ودلالة السياق فن تدركه العقول وتفهم به الكلام، وتغوص من خلاله إلى أعماق المعاني ودلالات الألفاظ، بل من خلاله تربط الكلام بعضه ببعض ليظهر المغزى الذي يريد المتكلم، والهدف الذي يرمي إليه.

وإن المتأمل في كتب التفسير ليجد كلمة السياق من الكلمات التي تكثر فيها بشكل ملحوظ، مبينة للفظ، ومرجحة بين المعاني، وبين ما يذكر من أسباب النزول، ومخصصة لألفاظ العموم.

ولست مبالغا إن قلت بأن تفسير القرآن بالقرآن إنما هو من خلال معرفة السياق الذي يجمع بين النصوص فيفسر بعضها بعضا.

ولقد اهتم الباحثون في أيامنا بالسياق فألفت فيه الكتب وكتبت فيه الرسائل، واختلفت فيه الآراء ما بين مرجح لسبب النزول على السياق، أو العكس.

وقد دعاني هذا الخلاف لبحث هذه المسألة؛ لأنه تطور إلى رد روايات في السببية في الصحيحين، بل تجاوز البعض كما سنرى في هذا البحث إلى إنكار  ما نسميه الصيغة الصريحة لسبب النزول.

وقد تمت دراسة هذه المسألة من خلال العناوين الآتية:

تعريف السياق لغة واصطلاحا.

أهمية السياق

تعريف سبب النزول لغة واصطلاحا

أهمية سبب النزول

أدلة المرجحين للسياق على سبب النزول

أدلة المرجحين لسبب النزول على السياق

الترجيح

الخاتمة

 

تعريف السياق لغة

السياق: ككتاب: المهر. والاسم: السَّوْق([2]). و أصل السياق: سِواق، قلبت الواو ياء لكسرة السين([3]). والسياق والسواق: مصدران من ساق. وهذا ما جعل ابن فارس([4]) يفسر السياق بالحَدْو، فقال: السين والواو والقاف: أصل واحد، وهو حَدْوُ الشَّيء. يقال: ساقه يسوقه سَوقاً. والسَّيِّقة: ما استيق من الدوابّ... والسُّوق مشتقّةٌ من هذا، لما يُساق إليها من كلِّ شيء. والساق للإنسان وغيره، والجمع سُوق، إنّما سمّيت بذلك لأنَّ الماشي ينْساق عليها.أ.هـ.

وقد أطلق العرب هذه الكلمة على معان عديدة أهمها:

-    "السِّياق: المهر... قيل للمهر سَوْق لأن العرب كانوا إذا تزوجوا ساقوا الإبل والغنم مهرا؛ لأَنها كانت الغالبَ على أموالهم.

-    ويقال: فلان في السِّياق: أي في النَّزْع"([5]). ويبدو أن تسمية الموت سياق ناشئ من حال مفارقة الروح للجسد وقت الموت, وهذا ما صرح به المناوي([6]) بقوله: السياق: سوق الروح من أرجاء البدن إلى الخروج منه([7]) ــ

-    وقد سبق تعريف السياق بالحدو، وهو سوق الإبل. ومن هذا الباب فسر بعض المفسرين )الْيَوْمَ الْآَخِرَ( في قوله تعالى: )لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ(([8]): بيوم السياق([9]). إذ يُساق الناس فيه إلى الحشر والحساب.

-    وسياق الكلام: تتابعه، وأسلوبه الذي يجري عليه([10]).

ومن خلال استقراء النصوص اللغوية يمكن أن نعرف سياق الكلام بأنه:

 

«المعنى الذي يَسْلك مراحل انسياق الكلام المتتالي نحو مآل محدد، يتم عنده القصد المطلوب ».

السياق عند المفسرين:

يكاد السياق أن يكون من أكثر الألفاظ استعمالا عند المفسرين على اختلاف مدارسهم، ومن الغريب أن تخلو هذه التفاسير من تعريف واضح له، ومن الأغرب أن تخلو كتب علوم القرآن الكريم من هذا التعريف كذلك.

وهذا ما آل ببعض المعاصرين لأن يختلفوا في تعريفه عند تصديهم لتعريف السياق والتأصيل له:

أـ فمنهم من حصر السياق بالجانب المقالي ضمن حدود السباق واللحاق([11]) مثل: قولهم:

-     "تتابع المعاني وانتظامها في سلك الألفاظ القرآنية, لتبلغ غايتها الموضوعية في بيان المعنى المقصود, دون انقطاع أو انفصال"([12]).

-    "بيان الكلمة أو الجملة القرآنية منتظمة مع ما قبلها وما بعدها"([13]).

ب ـ ومنهم من جعل السياق شاملا بالإضافة لما سبق للحال أو المقام، ومن تعاريفهم:

-    "ما يحيط بالنص من عوامل داخلية أو خارجية لها أثٌر في فهمه: من سابق أو لاحق به, أو حال المخاطِب, والمخاطَب, والغرض الذي سيق له, والجو الذي نزل فيه"([14]).

-    "الغرض الذي ينتظم به جميع ما يرتبط بالنص من القرائن اللفظية والحالية"([15]).

 

وبعض الباحثين الجدد رجح القول الأول معتمدا على أدلة أختصرها بما يأتي:

1-     قصور المدلول اللغوي لكلمة (سياق الكلام) عن تأدية الحال، سواء أكان في اللغة أو في القرآن الكريم. فكلاهما: تتابع الكلمات والجمل وانتظامها واتصالها لتأدية المعنى.

2-     استخدام العلماء لمصطلح السياق منصب على المقال. فإن المفسرين يطلقون مصطلح السياق ويريدون به المقال، ويعبِّرون عن دلالة الحال إما: بالحال أو المقام أو قرائن الأحوال وغيرها، فلم يعبر أحدهم عن دلالة الحال بالسياق([16]).

 

إلا أن هذا الترجيح تُعكر عليه بعض الملاحظات أهمها:

1-     أقوال العلماء يقصد بها سياق الكلام الظاهر، وهو السياق اللغوي، وعادة يكون نفسه المصطلحي إن لم تقم حجة على إرادة شيء آخر، وأما في حال ورود حجج من واقع الحال، فإن العلماء لا يلتفتون إلى السياق اللغوي المقالي، لثبوت عدم إرادته في المصطلح، ويتبعون السياق الثاني الذي ثبت بالحجة؛ لأنه هو السياق المعتمد، وعادة ما يطلقون على الأول ظاهر اللفظ، ونحو هذه العبارة. ولو كان السياق الأول هو السياق المعتمد لما تركوه.

2-     طالما أن هناك سياقا لغويا لا يأبه بما خالف النص من الأحوال، فإما أنه لا يوجد سياق في المصطلح، أو أن هناك تعريفا آخر للسياق في المصطلح.

3-     عادة يؤخذ السياق من الألفاظ الواردة على ترتيبها في النص (السباق واللحاق) بغير قرائن أو حجج أخرى؛ لأن القرائن متأخرة عن النص عادة، ولا تُعلم بغير طلب لها، لذا يبادر الناس إلى الحديث عن السياق من خلال النص الحاضر بين أيديهم، وهو السياق بتعريفه اللغوي، مع تصريحهم في أماكن أخرى بأنهم في حال وجود حجة صارفة لهذا السياق إلى غيره فإنهم يتركونه ويصيرون إلى ما نسميه اليوم: السياق القرآني في المصطلح، ويكون الثاني هو السياق المعتمد المناسب للآيات ومعانيها. وهذا ما سيتضح أكثر عند مناقشة الأقوال في ترجيح السياق على سبب النزول.

4-     إن المعنى الذي جاء به السياق لم يتولد من السياق وحده، إلا في حال التجرد عن الواقع، وهذا سليم ما لم يكن هناك واقع خاص للكلمات والجمل التي كونت النص القرآني المقصود أو بعضه، وعندئذ لابد من مراعاة ذلك بالقدر المناسب الذي لا يختل فيه الكلام أو يتضارب؛ لأن الخلل والتضارب محال في كلام الله سبحانه، قال تعالى: )وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا(([17])، وفي هذه الحال ينتقل الباحث من السياق اللغوي إلى السياق في المصطلح، بسبب وجود قرائن أو حجج تفرض هذا الانتقال، فيراعي الحال إلى جانب النص، ومثل هذا يصعب على غير المتبحرين العلماء، فيلجأ البعض إلى التمسك بما ظهر له  من النص، ويرد الحال بردود غير علمية، ذات أبعاد لا تُحمد عقباها، ولعل هذا يتضح أكثر في المناقشة القادمة مع من يرجح السياق على سبب النزول.

5-     يسند العلماء للسياق مهام كثيرة مثل: التخصيص والتبيين والترجيح وغير ذلك مما سأذكره في أهمية السياق، ومثل هذا لا يمكن أن يكتفى فيه بسياق لغوي.

وبعد النظر في التعاريف السابقة وغيرها، والاطلاع على مكامن القوة والضعف فيها، تبلور لدي هذا التعريف:

 

«السياق القرآني: هو المعنى الذي يسلك جميع النص القرآني بما لا يتناقض مع ما ثبت تعلقه به من قرائن وأحوال معتبرة».

-    ففي قولي: (هو المعنى الذي يسلك جميع النص القرآني): إشارة إلى السياق اللغوي، وأن السياق في حال عدم وجود قرائن وأحوال إنما يستوحى من جميع النص.

-    وفي قولي: (بما لا يتناقض مع ما ثبت تعلقه به من قرائن وأحوال معتبرة): إشارة إلى أحوال السياق القرآني، ففي حال وجودها لا بد من مراعاتها في السياق حتى لا نجافي الحقيقة، ونضرب الدين ببعضه البعض طالما أنها ثبتت بشكل علمي وكانت معتبرة.

ويتضح من قولي هذا: الجمع بين التعريف اللغوي والاصطلاحي، إذ لا يمكن فيما نحن فيه الفصل الكبير بينهما، فأصل السياق هو سياق الكلام سابقه ولاحقه. هذا العرف العام، ويبدو لي بأن هذا ما جعل العلماء في القديم لا تتنبه إلى تعريف للسياق.

ولكن في بعض الأحيان وهي قليلة يكون للحال دخل مقصود من المتكلم سبحانه، إذ يقول كلامه على سبب ما، ويثبت عندنا هذا الحال ثبوتا معتبرا، فعندئذ يتولد ما نسميه السياق في المصطلح؛ لأننا مرغمون على ترك السياق الذي يتناقض مع الحال المقصود من المتكلم إلى سياق آخر أقلّ ظهورا في النص القرآني، ونسميه كذلك السياق. وهو في الحقيقة السياق في المصطلح الذي يراعي الحال عندما يفرض الحال نفسه، فالسياق يتولد من مجموع النص والحال المعتبرة في حال وجودها، ثم يصبح حَكَما في تفسير ذلك النص القرآني. وسنرى هذا في صلب البحث عند المناقشة إن شاء الله.

 

أنواع السياق في القرءان الكريم

السياق في القرآن العظيم يختلف عن السياق في كلام البشر، ليس من جهة التعريف، وإن كان فيه ما فيه مما سبق ذكره في تعريف السياق، ولكن من حيث أطر التطبيق، بما تحفه من قرائن وأحوال، وترابط تلك الأطر مع بعضها البعض.

والمقصود من هذا الكلام ترابط السياق الأعظم وهو سياق القرآن الكريم، بسياق كل سورة على حدة، وترابط كل سورة بسياقات كل مقاطعها، وترابط سياق كل مقطع بسياقات الآيات التي يضمها.

وبالتالي فنحن أمام سياقات كثيرة جدا لا تنطلق من القاعدة نحو الرأس، وإنما تنزل من الرأس في أطر كبيرة ثم أصغر فأصغر. بشرط الترابط المنسجم واتحاد المعنى العام المقصود بين الرأس الذي هو كامل القرآن الكريم وما تفرع منه من سور، وبين السورة ومقاطعها، وبين المقاطع وآياتها.

والمقصود باتحاد المعنى ليس تكرره، وإنما تكامل المعاني الفرعية التي تكوّنه، فسياقات الآيات تتآلف وتنسجم ليتكون منها سياق المقطع، وسياقات المقاطع تتآلف وتنسجم ليتكون منها سياق السورة، وسياقات السور تتآلف وتنسجم ليتكون منها سياق القرآن الكريم، وإن كانت السياقات في حقيقتها نازلة من السياق الأعلى نحو الأدنى وليس العكس. وبمعنى آخر: هي تفكيك السياق الأعلى لتتكون منه السياقات الأدنى، فهو يُكوّنها وليست هي التي تكوّنه.

ولعل هذا من أعظم أسرار إعجاز القرآن الكريم، إذ ليس في طوق مخلوق أن ينظم كلامه كما نظم سبحانه كتابه العظيم.

ولأعرف باختصار بهذه السياقات الأربعة أقول:

 

1-     سياق القرآن: ويُقصد به مراد الله تعالى من كتابه القرآن العظيم، وهو معرفة الخلق ربهم، وعبادتهم إياه، ويخدم هذا الهدف ما سُمي في كتب الأصول بمقاصد الدين و الضروريات، يقول الشاطبي([18]): فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي: الدين والنفس والنسل والمال والعقل([19]).

 

2-     سياق السورة: فكل سورة في القرآن العظيم وحدة متكاملة متناسقة، يجمعها سياق واحد، هو الغرض من السورة الكريمة([20]).

 

3-سياق المقطع أو النص: جزء من السورة له سياقه الخاص، ويتناسب مع سياق السورة الكريمة.

 

4-     سياق الآية: مما يوحي بسياق الآية الكريمة ما عرف برؤوس الآي التي تفصل كل آية عن أختها، وقد تعرض المفسرون لهذا النوع كثيراً و على سبيل المثال: )وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ(([21]) قال ابن كثير في تفسيره: وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة([22]).

 

أهمية السياق القرآني

نلمح أهمية السياق في القرآن الكريم من كونها العلم الذي يُعرف به مراد الله سبحانه من كلامه، فكما لكل كلمة معنى، لكل سياق غرض ومقصد صيغ الكلام من أجل بلوغه وتحقيقه.

وإن كان تفسير القرآن بالقرآن أصح تفسير لكلام الله سبحانه([23])، فإن السياق في النص القرآني خادم لهذا النوع من التفسير، والأداة التي تحققه، فيشرق من خلال الكلمات والجمل حبل السياق الذي يجمعها في عقد فريد، فيضفي على جمال الحبات جمال العقد المتناسق، ليظهر القصد من جمع تلك الحبات.

ومن الطرائف التي تظهر قدر السياق ما قاله الأصمعي([24]): قرأت هذه الآية: )وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(([25]) وإلى جنبي أعرابي فقلت: )وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( سهوا، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. قال أعد، فأعدت: )وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(، فقال: ليس هذا كلام الله، فتنبهت، فقلت: )وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(. فقال: أصبت، هذا كلام الله.  فقلت له: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع([26]).

وقد ثبتت دلالة السياق في السنة المطهرة، فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «قُلتُ: يا رسول اللّه، )والَّذين يُؤتُونَ ما آتَوْا وقُلُوبُهُمْ وجِلَةٌ(([27])  أَهُمُ الذين يَشْربَون الخمرَ ويَسْرِقُونَ؟ قال: «لا يا بنْتَ الصِّدِّيق، ولكن هم الذي يَصُوُمون ويصلُّون ويَتَصَدَّقون، ويخافُون أَنْ لا يُتقَبَّلَ منهم: )أولئك يُسارِعونَ في الخيرات، وهم لها سابقون(([28]([29]). فاستدل الرسولe على المعنى بسياق الآية الكريمة نفسها.

وقد أخذ علماء الصحابة بدلالة السياق، فعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا(([30]) فَوَ اللهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِى، إِنَّ هذِهِ الآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: (لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا)، وَلكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ؛ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللهِe، عَنْ ذلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: )إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ( الآيَةَ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِe الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لأحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا»([31]).

ومما ورد عن العلماء في أهمية السياق:

-   تبويب الإمام الشافعي في الرسالة: باب الصنف الذي يبيّن سياقُه معناه([32]).

-    ابن القيم([33]):

وانظر إلى نظم السياق تجد به       سرا عجيبا واضح البرهان

فتدبر القرآن إن رمت الهدى                فالعلم تحت تدبر القرآن

قالوا وإيراد السياق يبين المضـ  ـــمون منه بأوضح التبيان([34])

-    الزركشي في حديثه عن دلالة السياق: فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته وانظر إلى قوله تعالى ) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (([35]) كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير([36]).

-    الرازي: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط([37]).

-    وقال ابن جزي([38]) في القاعدة السادسة من قواعد الترجيح: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام ويدل عليه ما قبله أو ما بعده([39]).

-    ويقول ابن تيمية: فَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَعَرَفَ مَقْصُودَ الْقُرْآنِ: تَبَيَّنَ لَهُ الْمُرَادُ، وَعَرَفَ الْهُدَى وَالرِّسَالَةَ، وَعَرَفَ السَّدَادَ مِنْ الِانْحِرَافِ وَالِاعْوِجَاجِ([40]).

إلا أن ما ذكره الزركشي من تخصيص العام بالسياق مسألة فيها نظر، وبخاصة أن السياق كلمة لم يَذكر لها تعريفا محددا، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ظهور السياق لا يكون بنفس القوة في كل مكان، ولا بنفس الوضوح، وهذا ما جعل الشوكاني يقف عند هذه النقطة في كتابه إرشاد الفحول حيث يقول: المسألة الثامنة والعشرون في التخصيص بالسياق:

 قد تردد قول الشافعي في ذلك... وقال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد([41]) في شرح الإلمام([42]): نص بعض الأكابر من الأصوليين أن العموم يُخصّ بالقرائن القاضية بالتخصيص...والحق أن دلالة السياق إن قامت مقام القرائن القوية المقتضية لتعيين المراد كان المخصص هو ما اشتملت عليه من ذلك، وإن لم يكن السياق بهذه المنزلة، ولا أفاد هذا المفاد فليس بمخصص([43]).

 

سبب النزول

لا شك أن السبب في إنزال كُتب الله سبحانه وتعالى هو هداية البشرية ودلالتها إلى طريق عبادة الله بما في ذلك من تبشير ونذير، إلا أنه قد شاءت حكمة المولى سبحانه أن يُنزّل القرآن الكريم منجما لتكون ميزة للقرآن الكريم في إنزال بعضه على أسباب خاصة، وهذا المقصود من التعريف الآتي.

 

تعريف سبب النزول ودلالته

أـ تعريف السبب لغة:

تتفق قواميس اللغة على ثلاثة معان رئيسة للسبب هي: الحبل، وما يتوصل به إلى غيره، واعتلاق قرابة. وجمعه: أسباب.

ويقال: جَعَلْتُ فُلاناً لي سَبَباً إِلى فُلانٍ في حاجَتي وَوَدَجاً أَي وُصْلَة وذَريعَة([44]).

ولو تأملنا المعاني لوجدنا أن: (الوُصلة) بجانبيها المادي والمعنوي تصلح تعريفا عاما للسبب يجمع هذه المعاني.

 

ب ـ تعريف السبب اصطلاحا:

عندما يُعرّف العلماء سبب النزول في الاصطلاح؛ إنما يقصدون السبب الخاص وليس العام. والتعريف المشهور للسبب الخاص هو:

" ما نزل فيه قرآن وقت وقوعه"([45]).

وبعض الباحثين المعاصرين أراد أن يطور هذا التعريف فقال: سبب النزول: "كل قول أو فعل نزل بشأنه قرآن عند وقوعه"([46]).

فقال: (كل قول أو فعل)، ويبدو لي بأن هذا التغيير فيه مجازفة؛ لأن العلماء يذكرون أسبابا للنزول قد تكون حادثة كشجار مثلا، أو نية لفعل شيء ما. ولا داعي في نظري لهذا التقييد، فاللفظ الذي اختاره العلماء من قبل أكثر إحكاما وجمعا لأسباب النزول مهما كان السبب. ومعلوم أن من شروط التعريف أن يكون جامعا ومانعا، والتعريف الجديد مانع ولكنه ليس جامعا. وبالتالي يبدو لي أن التعريف القديم وهو:

"ما نزل فيه قرآن وقت وقوعه" أدق؛ فكلمة: (ما) شاملة لكل سبب مهما كان إذا ثبت أنه كان السبب في النزول. وكلمة: (وقت وقوعه) تبين أن ما نزل في أحداث ماضية أو مستقبلية أو على أصل الهداية، وغير ذلك مما هو خارج التعريف، ليس له علاقة بأسباب النزول.

وإن كان في النفس شيء من كلمة: (فيه) الواردة في التعريف؛ لأنها تُدخل في هذا التعريف ما نزل القرآن في حكمه، وليس بسببه، وكلمة: (وقت وقوعه) لا تكفي في منع هذا الاحتمال من الدخول في التعريف؛ نظرا لأنه قد تتعدد الحوادث في أوقات متقاربة أو في نفس الوقت، فينزل القرآن بسبب بعضها لا كلها، وأفضل أن يكون التعريف: «ما نزل قرآن بسببه وقت وقوعه» فكلمة : (بسببه) أدق من كلمة (فيه)، ويبقى على العلماء بذل الجهد، ووضع الصيغ والقرائن لمعرفة الأسباب وآياتها.

 

 

صيغة سبب النزول

فصّل العلماء في صيغة سبب النزول، وقسموها إلى قسمين([47]):

أـ صيغة محتملة: تحتمل إرادة السببية، وتحتمل إرادة شمول الآية للحكم أو غير ذلك من الدلالات، والمهم أنها ليست صريحة في السببية. كأن يقول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا. فلعله يقصد: نزلت في حكمه، من غير أن يكون سببا في النزول.

 

ب ـ الصيغة الصريحة: وهي ما يهمنا في هذا البحث، والمقصود فيها الصيغة التي تعبر تعبيرا صريحا واضحا في كون الآية نزلت في هذا السبب، فهذه إن صحت من حيث السند كان لها حكم المرفوع؛ لأنها ليست مما يُجتهد فيه، وحكم ما لا يُجتهد فيه من أقوال الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ من أمور الآخرة أو سبب النزول وغير ذلك مما لا يمكن أن يقوله الصحابي من نفسه ولا بد فيه من النقل عن الرسولe، أنه يحكم برفعه إلى رسول الله eبالاتفاق([48]).

وقبل أن أنتقل إلى العنوان القادم أريد أن أقول هنا بأن هذا التقسيم وإن كان ظاهره اصطلاحي إلا أنه في الحقيقة تقسيم لغوي؛ لأنه يتناول صيغة السببية وليس السببية، فحتى نحكم بأنه سبب نزول صريح يحتاج أن تنتفي القرائن التي تصرفه عن دلالة صريح عبارته إلى غيرها. وعدم الانتباه لهذه النقطة جعل بعض الباحثين يستبعدون وجود صيغة صريحة لسبب النزول([49]) بسبب ورود بعض روايات صريحة في السببية مع قيام الأدلة على أنها ليست سببا في النزول، ولا أريد هنا أن أناقش مدى دقة الأدلة التي جيء بها؛ لأنه ليس هذا مقامها، وإنما أقول بأن هذا القول غير صحيح، فالصيغة الصريحة مسألة لغوية لا غبار عليها، ويبقى التأكد من باقي القرائن حتى نحكم بالسببية الحقيقية وبالتالي نعطيها حكم المرفوع.

 

أهمية سبب النزول

لا يخلو كتاب في علوم القرآن الكريم من ذكر سبب النزول، وفائدته في فهم كتاب الله سبحانه، يقول الزركشي: وقد اعتنى بذلك المفسرون في كتبهم وأفردوا فيه تصانيف وأخطأ من زعم أنه لا طائل تحته لجريانه مجرى التاريخ، وليس كذلك بل له فوائد منها: وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم، ومنها الوقوف على معاني الكتاب العزيز، وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا. ومنها أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد؛ لأن دخول السبب قطعي([50]).

وقال ابن تيمية: ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب؛ ولهذا كان أصح قولي الفقهاء: أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف، رجع إلى سبب يمينه وما هيجها وأثارها([51]).

 

الترجيح

بين دلالة السياق وسبب النزول

 

لم أجد في العلماء السابقين من فاضل بين دلالة السياق وسبب النزول المعتبر، فقد كان كلام الجميع في إعطاء سبب النزول درجة على دلالة السياق، إلا أنني وجدت في المحدثين من أعاد النظر في هذه المسألة، وانقسم هؤلاء إلى فريقين: مرجح لدلالة السياق على سبب النزول المعتبر، ومرجح لسبب النزول المعتبر على دلالة السياق. والغريب أن كلا الفريقين يدعي تأييد العلماء السابقين له.

 

أولا: أدلة المرجحين لدلالة السياق على سبب النزول الصريح الصحيح

يتصدر هؤلاء الباحثين الدكتور فضل حسن عباس، و د.خالد المزيني. وسأذكر هنا بعض الأدلة التي جاءوا بها، وأبدأ بالدكتور فضل حسن عباس إذ يقول:

"فللسياق أثر لا ينكر في ترجيح القبول، قبول السبب أو رده"([52]). ثم وضح رأيه أكثر فقال:"كثيرا ما نجد في روايات أسباب النزول ما لا يتفق مع السياق، فما كان منه غير صحيح الرواية فالخطب فيه يسير، لكن الإشكال فيما ادعيت صحة روايته، وقضية السياق قضية جوهرية في قبول سبب النزول"أهـ. وكلمته هنا:"فيما ادعيت صحة روايته" موهمة إذ قد يظن القارئ بأنه لا يقصد ما صح عنده، وإنما يتكلم عن الروايات الضعيفة، إلا أن المتابع للقراءة ـ كما سيظهر بعد قليل ـ يرى أنه لا يقبل كل ما لا يتفق مع السياق مع إقراره هو أحيانا بصحة روايته وصريح سببيته.

وسيتضح رأي الدكتور أكثر من خلال ما أورده من أدلة([53])، وسأناقش كل دليل عقب ذكره مباشرة:

1- قوله تعالى ]كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (([54]).

ذكر الشيخ الفاضل في سبب نزولها روايتين:

الأولى: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا من الأنصار ارتد فلحق بالمشركين فأنزل الله هذه الآيات. فبعث بها قومه إليه، فلما قرئت عليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول اللهe، ولا كذب رسول الله على الله، والله عز وجل أصدق الثلاثة. فرجع تائبا، فقبل منه رسول اللهe وتركه.

وقال في الحاشية: أخرجه الواحدي والبيهقي وإسناده حسن.

ثم قال: "والحق أن هذه الآية كما يشهد سياقها نزلت في أهل الكتاب، كما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن الحسن... وهذا ما رجحه الطبري"أ.هـ.

مناقشة الدليل:

ما نقله الشيخ الفاضل عن الطبري لم يكن دقيقا، ويبدو لي أن الطبري على عكس ما ذكر! ونص كلام الطبري بتمامه: 

"قال أبو جعفر: وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن: منْ أنّ هذه الآية معنيٌّ بها أهل الكتاب على ما قال، غيرَ أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن. وجائز أن يكون الله عز وجل أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذُكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمدe في هذه الآيات. ثم عرّف عباده سُنته فيهم، فيكون داخلا في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمدe قبل أنُ يبعث، ثم كفر به بعد أن بُعث، وكلّ من كان كافرًا ثم أسلم على عهدهe ثم ارتد وهو حيٌّ عن إسلامه. فيكون معنيًّا بالآية جميعُ هذين الصنفين وغيرُهما ممن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء الله".

ويبدو لي أن الشيخ الفاضل اكتفى بقول الطبري"وأشبه القولين بظاهر التنزيل ما قال الحسن" وهذا ليس ترجيحا من الطبري؛ وإنما تحليل للأقوال ووصف لجانب القوة والضعف فيها، ولم يرجّح بعد، فسرعان ما قال: إن الآخرين أعلم بتأويل القرآن والأخبار عندهم أكثر. وجاء بقول جميل حيث جمع بين السبب والمناسبة([55]) في الآية الكريمة، فجوز السبب أنها فيمن ارتد ثم تاب، وذكر مناسبة ترتيب الآية مع أهل الكتاب على أنهم آمنوا بمحمدr قبل أن يُبعث وكفروا به بعد أن بعث، فكفروا بعد إيمان، كما حصل من هذا الأنصاري، ولذلك قال الطبري في نهاية هذا الرأي: " بل ذلك كذلك إن شاء الله".

والذي يؤكد أكثر أن الطبري رجح الرأي الأول؛ وهو أنها في الأنصاري الذي ارتد ثم آمن، أن الطبري تابع تفسيره للآيات مؤسسا على هذا الرأي فقال بعد ذلك:

"ثم استثنى جل ثناؤه الذين تابوا، من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال تعالى ذكره:]إلا الذين تَابوا من بعد ذلك وأصلحوا[ يعني: إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان بالله وبرسوله، وصدّقوا بما جاءهم به نبيهمr من عند ربهم وأصلحوا، يعني: وعملوا الصالحات من الأعمال ]فإنّ الله غفور رحيم[، يعني: فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره ]غفور[، يعني: ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الرّدّة".

وأحب أن أضيف أيضا أن الطبري ذكر روايتين لابن عباس في سبب النزول الأولى: هي التي ذكرها المؤلف. والثانية أن الآية نزلت في أهل الكتاب، وبجمع الطبري بين الروايتين يكون قد أخذ بقولي ابن عباس وهذا حسن، بل هو الأولى.

وطالما أن الجمع بين الأسباب ممكن على طريقة الطبري رحمه الله، فلا داعي لرد رواية ابن عباس بحجة السياق فقد استقام السياق بالروايتين ولا شك أن الجمع أولى عند العلماء طالما أنه ممكن.

وإن كان هذا الدليل الذي جاء به الدكتور فضل لا يصلح للاستدلال؛ لأن دليله يصلح في الترجيح بين أسباب النزول بما يناسب السياق، ونحن لا ننكر بأن السياق مما يؤخذ به في الترجيح بين الأسباب في حال تعذر الجمع بأي صورة، وإنما الذي ينبغي أن يستدل به هو  ما يصلح لتأسيس مبدأ رد سبب النزول في حال خالف دلالة السياق التي يرتئيها الرّاد للسبب، ليس من باب الترجيح بين الروايات فهذا معلوم أيضا، وإنما من باب مخالفة السياق فحسب. فإن المؤلف الفاضل ـ حفظه الله وأطال أثره ـ بين في مجمل كلامه أنه يرد السبب بمجرد مخالفة السياق بغض النظر أكان السبب منفردا أم مزاحما لغيره من الأسباب، فلم يفصّل في هذا وترك الكلام على إطلاقه.

 

2- قال الدكتور فضل:"قوله سبحانه:]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[([56]).

اشتهر في روايات أسباب النزول أنها نزلت في أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ، وقد سأله بنو قريظة: أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار إلى حلقه: إنه الذبح فلا تفعلوا، فقال: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله، فنزلت الآية...".أ.هـ.

وذكر الشيخ تحسين الشيخ شعيب الأرناؤوط لهذه الرواية في صحيح ابن  حبان وأنها في المسند كذلك.

 

 

المناقشة:

عندما رجعت لهذه الرواية في صحيح ابن حبان والمسند لم أجد منها سوى إشارة أبي لبابة إلى حلقه! وليس فيها ذكر للآية الكريمة ولا أنها نزلت فيه! ولا ذكر لسبب نزول لا بالصيغة الصريحة ولا بغيرها. وبالتالي لا تصلح كذلك لما يهدف المؤلف إلى تأسيسه من مبدأ: عدم قبول الصيغة الصريحة الصحيحة في حال عدم اتفاقها مع السياق.

 

3- قال الشيخ:"]ألا إنهم يثنون صدورهم[([57]) فقد روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ قال: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك. وقد نعلم أن الآية في سورة هود، وهي مكية إجماعا، ثم السياق في شأن الكفار، فهو سياق تهديد. والظاهر أن ابن عباس رضي الله عنهما ـ تلا هذه الآية في شأن أولئك الذين كانوا يستحيون من الله، لا أنها نزلت فيهم..."أ.هـ.

ثم ذكر رواية للواحدي: "عن ابن عباس أنها نزلت في الأخنس بن شريق. وكان رجلا حلو الكلام، حلو المنظر، يلقى رسول الله e بما يحب، ويطوي بقلبه ما يكره" ثم رجح الشيخ رواية الواحدي على رواية البخاري لأنها متفقة مع السياق، ثم قال:" ويظهر  أن الحق ما ذكرته لك من قبل وهو أن ابن عباس تلا هذه الآية لا أنها نزلت".أ.هـ.

 

المناقشة:

بالنسبة لرواية الواحدي لم يذكر المؤلف لها مصدرا آخر غير الواحدي، كما أنه لم يذكر مدى قوة الرواية. ولم أجدها في كتب الحديث لا في الصحيح ولا في الضعيف. فلا تصلح للاستدلال.

كما أن رواية البخاري بالطريقة المروية في كتاب الشيخ مقطوعة من أولها وآخرها ولم تعد واضحة، وهي بتمامها هكذا:" قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: ]أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورُهُمْ[ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ".

-      فكنت أظن أن الشيخ هو الذي اجتهد في أن ابن عباس كان يتلو الآية. فرأيت بأن هذا من كلام الراوي نفسه كما هو واضح فيها.

-      وفي آخر الرواية كلمة ناقصة في كتاب الشيخ وهي: (فيهم) الكلمة التي في آخر رواية البخاري، وهذه كلمة مهمة؛ لأنها توضح أكثر بأن الصيغة ليست صيغة صريحة في أسباب النزول كما هو معلوم في علم أسباب النزول. ويؤكد هذا أول الرواية في أن ابن عباس يقرأ الآية فسئل عنها، والسائل لم يذكر أنه سأله عن سبب نزولها، وإنما كان السؤال عاما. فأجاب ابن عباس بما يوضح المعنى مما هو في حكمها.

 

وبالتالي كذلك هذا المثال لا يصلح فيما يريد الشيخ الفاضل أن يؤسس له.

 

4- "قوله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ[([58])، ذكروا عن أنس بن مالك أن الآية نزلت في بني سلِمة، وكانت أمكنتهم بعيدة عن مسجد الرسولr، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت الآية"أ.هـ. ثم قال بأن الآية مكية "ويستحيل أن تكون الروايات التي ذكروها هي سبب النزول... ومما لا ريب فيه إذن أن الآية  تليت في شأن بني سلمة وهم من الأنصار، لا أنها نزلت فيهم. وقد تقدم لك ما ذكره ابن القيم في كتابه (شفاء العليل) عند الحديث عن هذه الآية الكريمة... حيث ذكر أن الآية مكية ورد القول بتعدد النزول، فراجعه هنا".أ.هـ. ونقل الشيخ فضل تحسين هذه الرواية عن الترمذي وتصحيحها عند الحاكم.

المناقشة:

يبدو لي أننا اقتربنا قليلا من نقطة الحوار الحقيقية في هذا المثال حيث ذكر رواية صحيحة لتأكيد ردها في السببية بحجة مخالفتها السياق، ولي على هذا الكلام الملاحظات الآتية:

-      ما نقله الشيخ فضل عن ابن القيم ـ رحمه الله ـ بأن هذه الآية مكية، غير دقيق: وكلام ابن القيم المشار إليه في شفاء العليل بتمامه هو هكذا:

" إن سورة يس مكية وقصة بني سلمة بالمدينة إلا أن يقال هذه الآية وحدها مدنية، وأحسن من هذا أن تكون ذكرت عند هذه القصة ودلت عليها وذكروا بها عندها، إما من النبيr، وإما من جبريل فأطلق على ذلك النزول، ولعل هذا مراد من قال في نظائر ذلك نزلت مرتين"([59]).

فرأي ابن القيم ـ رحمه الله ـ بأن السورة مكية، وجوّز أن تكون هذه الآية مدنية!

 

-      وما ذكره ابن القيم من احتمال أن تكون الآية مدنية لا يمكن ردّه، إذ لا دليل على عكس ذلك، فأكثر القرآن الكريم لا يمكننا الجزم في كل آية هل هي مكية أم مدنية؟ ولذلك لم يمل إليه ابن القيم كثيرا، ولكن لم يستطع رده، واختار القول الآخر.

-      واللافت للنظر أيضا بأن ابن القيم ـ رحمه الله ـ لم يتعرض في هذا المقام للسياق! وإنما لكون السورة مكية، أم فيها شيء مدني؟ كما سيتضح بعد قليل.

 

-      يبدو لي أن هذا المثال الذي ذكره الشيخ فضل لا يسلم له لتحقيق ما يريد؛ لأن هذا المثال في الحقيقة لا يُبحث في باب السياق وسبب النزول وتفضيل السياق على السبب عند التعارض كما يريد الشيخ، وإنما هذا يُبحث في باب الآيات المدنية في السور المكية، وهناك تناقش الروايات لإثبات هذه السورة (يس) كلها مكية أم فيها قرآن مدني؟ ولو لاحظنا العلماء في تفاسيرهم عندما تعرضوا لهذه السورة ولهذه الآية ولسبب النزول محل النزاع، لم يناقشوا موضوع السياق، وكان كلامهم أن السبب مدني والسورة مكية، وهل تكرر النزول أم لا؟ وهل هذه السورة نزلت مرتين أم لا؟ وهل هذه الآية مدنية أم لا؟ ولم يتعرضوا إلى السياق.

 

-      كما أن هذا المثال لا ينطبق مع ما يريد الشيخ فضل؛ لأن المقارنة هنا ليست بين السياق وسبب النزول، وإنما بين الروايات الواردة في كون هذه السورة مكية وبين ما ورد في سبب نزولها المدني، وكلها روايات يسوغ لنا الترجيح بينها ويدخل السياق على أنه أحد المرجحات بين الروايات، بمعنى آخر أن سبب النزول على فرض أننا رددناه فلن يكون هذا بسبب السياق فحسب، وإنما بترجيح الروايات الأخرى؛ لأن الأغلبية الساحقة من العلماء ترى بأن سورة (يس) مكية، بل ادعى بعض العلماء الإجماع على مكيتها في تفاسيرهم([60])، وفي مكيتها عدد من الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وإن كنت أقول بأن  ادعاء الإجماع لا يسلم لهم؛ لأنهم ذكروا في نفس الوقت قول فرقة خالفت وأيدت سبب النزول، لكن هذا يدل على مدى قوة الرأي القائل بأنها مكية كلها. وبالتالي المسألة هنا ترجيح بين الروايات في كون السورة كلها مكية أم فيها شيء مدني، وهي بعيدة عن مسألة السياق وإعطائه رتبة فوق السبب الصريح الصحيح بشكل عام، وهو الذي يتحدث عنه الشيخ فضل وهذه يغلب عليه الاجتهاد، وهذا المثال لا يخدمنا فيه.

-      نعم من الطبيعي أن السورة المكية سياقها مكي، والمدنية سياقها مدني ـ مع الأخذ بعين الاعتبار مدى قدرتنا على إثبات بأن كامل السورة كذلك ـ لكن الاكتفاء بهذا الكلام لإدخال هذا المثال في باب السياق والسبب الصحيح الصريح لنحكم بأن السياق له مرتبة لا يبلغها السبب الصريح الصحيح، وتعميم ذلك على كل سياق سواء ما ثبت منه بروايات كما هنا، أو الذي يجتهد في استنباطه، فيه من التكلف والمجازفة ما فيه.

 

5- "قوله تعالى:]وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ[([61]).

أخرج البخاري في سبب نزولها عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ أَوْ رَجُلَانِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ بَعْضَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ فنزلت الآية. ومع يقيننا بصحة رواية البخاري ـ رحمه الله ـ لكن الذي لا نستطيع قبوله أن تكون الرواية سبب نزول؛ ذلك أن سياق الآية مع ما قبلها كان حديثا عن الآخرة. قال تعالى: ]وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[... فكيف يقطع السياق، وتفكك أجزاؤه؟! نعم، قد يقال: إن هؤلاء النفر تليت عليهم هذه الآية الكريمة، ولكن بعض الرواة قال: نزلت، والله أعلم".أ.هـ.

 

المناقشة:

يبدو لي أن السبب فيما أشكل على  الدكتور الفاضل في موضوع السياق هو بعض الخلط بين السبب والمناسبة، فهو ينظر إلى الآيات من خلال السبب فيختل السياق، وهذا برأيي غير صحيح؛ لأنه بهذه الطريقة يكون ـ من حيث لا يدري ـ قد فسر القرآن بخصوص السبب، والقرآن لا يفسر بخصوص السبب وإنما الأصل في تفسيره عموم اللفظ ما لم يثبت غير ذلك.

فإن الله سبحانه أنزل كتبه كلها لهداية البشرية، ولكن شاءت حكمته سبحانه أن يخص القرآن الكريم من بين كتبه بنزوله منجما، فأنزل بعض الآيات وهي الأقل من القرآن الكريم على أسباب خاصة، وعندما جُمع القرآن الكريم لم يجمع بمراعاة أسباب النزول، وإنما جمع كما كان مكتملا قبل أن ينزل، وفي هذه الحال توضع الآيات التي لها سبب نزول خاص بجوار أختها التي لم يكن لها سبب خاص([62])، مع اختلاف في تاريخ النزول وظروفه، وما معنى آية مكية في سورة مدنية؟ إلا أن نقول بأن الآية أخذت من بيئتها، وممن خاطبتهم من المشركين أولا، ومن السبب الذي نزلت فيه، ووضعت مع آيات تخص النصارى أو اليهود في المدينة أو غير ذلك مما لم يكن في مكة عند نزول الآية المكية، وهذا لا يعني أن نرجع إلى الأسباب الصحيحة لنزول هذه الآيات فنبطلها بحجة اختلال السياق! وإنما دأب العلماء أن يكشفوا الخيط الدقيق الذي يسلك كلا من المشركين في مكة وسبب النزول آنذاك، ثم يسلك اليهود أو غيرهم ممن وضعت الآية معهم في القرآن المدني، وهذا الخيط الذي نكتشفه هو السياق المعتمد([63]). وهذا ما جعل الطبري يحيد عن الظاهر في المثال الأول سابق الذكر؛ لأن الظاهر لو كان هو السياق المقصود لما تعارض مع سبب نزول صحيح وصريح. والطبري لم يترك السياق، وإنما ترك ما كان يظنه هو السياق، ثم أوجد سياقا آخر مقنعا له، لا يردّ فيه السبب الصحيح الذي له حكم المرفوع كما هو معلوم.

ثم هب أن فلانا من الناس لم يجد السياق المناسب الذي يقنعه، فهل هذا يعني أن يحذف ما صح من هذا الدين حتى تستقيم له الأمور؟ أم ينبغي أن يقول كما يقول العلماء: لا أعلم؟ ويترك الأمر لمن وجد السياق.

ثم أعود فأقول: نحن بعد جمع القرآن الكريم نؤمن بأنه لكل حرف وآية وسورة مناسَبة للسباق واللحاق، وهو ما يسمى بالسياق. سواء عرفنا هذه المناسبة أم لم نعرف. ومن بين هذه الآيات التي لها مناسبات الآيات التي لها أسباب نزول خاصة، وبالتالي هناك آيات في القرآن الكريم يجتمع فيها مناسبة وسبب نزول خاص، وبالضرورة أن المناسبة ليست هي سبب النزول، وإلا لما كان هناك أسباب ومناسبات عند العلماء، وعندما ننظر للآيات الكريمة نتحرى المناسبات بالنظر للسباق واللحاق، ويستعان أحيانا بما في الأسباب والأصل ما ذكرته أولا؛ لأنه هو أصل القرآن الكريم الذي كان كتابا واحدا متآلفا متناسبا، ولذلك المناسبات تدخل في الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم، بينما الأسباب لا علاقة لها بالإعجاز.

-      ولو طبقنا هذا الكلام على هذه الآيات الكريمة ينحل الإشكال، فالآية: ]وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ( من الكلام الذي تقوله الجوارح في الآخرة لأصحابها الكفار، هذه المناسبة المتناسبة مع اللحاق والسباق. وكون السبب حادثة خاصة في الدنيا لا يُعكر على هذا؛ لأن المناسبة غير السبب، ومنشأ المناسبة غير منشأ السبب. وكون السبب في أن الآيات نزلت في نفر من المشركين لا يضر؛ لأن هذا سبب خاص والتفسير يبقى على العموم الذي يشمل جوارح هذا النفر وجوارح غيرهم؛ لأنهم من بين هؤلاء الذين تشهد عليه جوارحهم. وتبقى هناك مزية للسبب في كونه داخل في العموم لا محالة، ولا يطاله التخصيص.

-      ومن جهة أخرى في تفسير الآيات ومعرفة سياقها أقول: ما المانع أن يكون قوله تعالى:

)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ من كلام الله تعالى ابتداء، وليس من كلام الجوارح؟ ونزل في نفر من المشركين كما هو سبب النزول، وعند ترتيب القرآن الكريم وضع هنا بالوحي لما فيه من التقريع المناسب للسباق واللحاق، وكلهم أعداء الله جمع بينهم أنهم ظنوا أن لن تقوم الأدلة على أفعالهم. وظنهم هذا لا شك كان في الدنيا وليس في الآخرة وهو المشار إليه بالآية الثانية: ]وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[؟

-      ومن جهة أخرى لو نظرنا في أعلام كتب التفسير مثل الطبري والقرطبي والرازي لا نراهم ذكروا شيئا مما ذكره الدكتور، مع أنهم ذكروا التفاسير الممكنة للآيات، ولم يواجههم أي إشكال في مسألة السياق!

وبالتالي يبدو أن ما ذكره الدكتور الفاضل غير كاف لرد سبب صريح صحيح له حكم المرفوع، وهو ليس في البخاري فقط وإنما متفق عليه([64]).

 

الثاني: د.خالد المزيني حيث جعل السياق حاكما على سبب النزول حتى لو كان صريحا صحيحا([65]) وقد ذكر أدلة على ذلك أهمها:

1- نسب إلى الطبري أنه: "اعتبر السياق فيصلا في تحديد سبب النزول، وترك الحديث في سبب النزول مع صحة إسناده لما خالف السياق، فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم...عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى النبيe فِي شِرَاجٍ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهاِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْزُّبَيْرِ: اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ. فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ وقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ للزبير: اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ الماء حَتَّى يرجع إلى الْجَدْرَ...الحديث. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ أنزلت إِلَّا فِي ذَلِكَ: )فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(.

قال الطبري: وذكر أنها نزلت فيمن ذكرهم الله بقوله: )أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ...(([66]) الآية. [يقصد نزلت في قصة تحاكم اليهودي والمنافق إلى الطاغوت].

وهذا القول ـ أعني قول من قال: عنى به المحتكمان إلى الطاغوت اللذان وصف الله شأنهما في قوله:)أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ( ـ أولى بالصواب؛ لأن قوله: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم( في سياق قصة الذين ابتدأ الله الخبر عنهم بقوله: )ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك(، ولا دلالة تدل على انقطاع قصتهم، فإلحاق بعض ذلك ببعض ـ ما لم تأت دلالة على انقطاعه ـ أولى([67]).

 

المناقشة:

يبدو واضحا أن ما نسبه إلى الطبري لا يسلم له؛ لأن حديث البخاري ومسلم لا يُعدّ سببا في النزول؛ لأنه ليس بالصيغة الصريحة، بل اجتهاد الصحابي في استنباط السببية واضح في قوله: (مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ أنزلت إِلَّا فِي ذَلِكَ)، فكلمة: (ما أحسب) وكلمة (في ذلك) تصرفان الرواية عن السببية الصريحة. فأين السبب الصريح الذي تركه الطبري بسبب السياق؟

2- استدل برد القرطبي([68]) بعض الروايات في سبب النزول لمخالفتها السياق في قوله تعالى: )إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(([69]).

قال القرطبي: روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن أنس بن مالك: أن قوما من عكل - أو قال من عرينة - قدموا على رسول اللهe فاجتووا المدينة ؛ فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم ؛ فبلغ النبيe خبرهم من أول النهار فأرسل في آثارهم ؛ فلما ارتفع النهار حتى جيء بهم ؛ فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون. وفي رواية: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي بهم قال: فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: )إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً( الآية.

فهذه الرواية التي رجحها القرطبي على الرواية الأخرى التي قال عنها:

وفي مصنف أبي داود عن ابن عباس قال: )إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ( إلى قوله: )غَفُورٌ رَحِيمٌ( نزلت هذه الآية في المشركين فمن أخِذ منهم قبل أن يُقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه.

فقال الدكتور خالد بأن القرطبي اعتبر السياق في الآيات، وضعّف قول من قال: إنها نزلت في المشركين([70]).

 

المناقشة:

يبدو لي بأن هذا الدليل لا يسلم؛ لأن ترجيح القرطبي للرواية الأولى لم يكن فقط من أجل السياق، بل لعدة أمور ذكرها في تفسيره وهي:

§     الذين أخذوا بالرواية الأولى هم الجمهور.

§     تضعيفه للرأي الثاني كان باستدلاله بآيات وأحاديث فقال: وهذا ضعيف يرده قوله تعالى: )قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ(، وقوله عليه الصلاة والسلام: "الإسلام يهدم ما قبله" أخرجه مسلم ؛ والصحيح الأول لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك.

وكان هذا العمدة عنده وإن كان ذكر السياق.

§     ذكر ما أورده أبو ثور من الإجماع: وقال أبو ثور...: وفي الآية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك ؛ وهو قوله جل ثناؤه: )إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ( وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم ؛ فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام.

§     الرواية الثانية (المرجوحة) واضحة بأنها ليست بالصيغة الصريحة، فقد قال فيها ابن عباس: (نزلت هذه الآية في المشركين). يمكن أن يكون القصد: في حكمهم، دون قصد السببية.

§     ما فعله القرطبي هو الترجيح بين أسباب النزول وليس ترجيح السياق على سبب النزول، ويستفاد من السياق في الترجيح بين الأسباب، ولكن لا يستفاد من هذا الدليل ما إذا انفردت دلالة السياق أنها تعلو على سبب النزول الصحيح الصريح.

 

ثانيا: أدلة المرجّحين لسبب النزول الصريح الصحيح على دلالة السياق

من الباحثين المعاصرين الذين تبنوا هذا الرأي حسين بن علي بن حسين الحربي([71]). حيث ألف في قواعد الترجيح، وقال في القاعدة التي تخصنا:

«قاعدة: إذا صح سبب النزول الصريح فهو مرجح لما وافقه من أوجه التفسير»

 وهذا شامل بوضوح ترجيح حجية سبب النزول المعتبر على دلالة السياق، وقد ساق أقوال الكثير من العلماء المؤيدين لهذه القاعدة([72]).

وخير مثال تطبيقي على هذه القاعدة، المثال الأول الذي تمت مناقشته مع الدكتور فضل، حيث رأينا كيف ترك الطبري ما ظهر له في تفسير الآيات إلى سياق آخر متناسب مع سبب النزول، والآثار التي رجحها.

وقد ذكر الحربي قاعدة أخرى تقول:

«إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما، إلا بدليل يجب التسليم له»

وذكر تأييد العلماء لهذه القاعدة وضرب مثالا من تفسير الطبري عند تفسيره للآية 159 من سورة النساء حيث قال:

فغير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل، أو خبر عن الرسول تقوم به حُجَّة. فأما الدَّعاوى، فلا تتعذر على أحد([73]).

وسبب النزول الصحيح الصريح يعده العلماء ـ كما مر سابقاـ بحكم الحديث عن رسول اللهe.

 

الترجيح

 

بالنسبة لأصحاب الرأي الأول:

1-     لقد رجح أصحاب هذا الرأي دلالة السياق على السبب الصريح الصحيح واستدلوا بأقوال العلماء على ذلك، مع اعترافهم بأن العلماء لم يعرفوا السياق، مما جعل الأمر يصعب على الضبط، ومعلوم أن تعريف السياق: بالسابق واللاحق من الكلام لا يقدم ولا يؤخر فيما نحن فيه([74])، إذ الكلام ليس في هذا، وإنما في دلالة السياق، وهم عندما رجحوا السياق رجحوا دلالته وليس النص نفسه بألفاظه، فهناك فرق بين السياق كنص كلام، والسياق بمعنى: دلالة السياق وغرضه وهدفه الذي هو محل النزاع.

2-     لو نظرنا في أدلة ما ذكره المرجحون لدلالة السياق لوجدنا غالبيتها الساحقة من الروايات الضعيفة. ومثل هذه الروايات معلوم بالبداهة أنها لا تنهض للاحتجاج بها في السببية بنوعيها الصريحة والاحتمالية. فكيف يؤسسون بناء عليها قواعد نظرية يُرد فيها ما اتفق العلماء على حجيته؛ وهو قول الصحابي فيما لا اجتهاد له فيه، ومنه سبب النزول الصريح الصحيح.

3-     اقتباساتهم للنصوص، ولأقوال العلماء، ولما ينسبونه لهم من أقوال تنقصها الدقة؛ لأن بعضها بعد التمحيص والتدقيق انقلب عليهم.

4-     أغلبية الأدلة التي جاءوا بها من باب كون السياق أحد المرجحات بين أسباب النزول المختلفة في صيغها وأسانيدها، وهذه مسألة لا خلاف عليها، لكنها ليست هي محل النزاع، ومحل النزاع في انفراد السياق الذي يرتئيه رادّ سبب النزول بالتحكم بسبب النزول الصحيح الصريح، إلى درجة ردّه.

5-     السياق مسألة اجتهادية، وهم عندما يرجحون دلالة السياق إنما يرجحون فهمهم لها؛ لأنها مسألة اجتهادية ذوقية أدبية، قد يختلف معهم غيرهم فيها، بل هذا الدكتور خالد المزيني اختلف مع الطبري في سياق الآية 33 من سورة المائدة([75]). فهل مثل هذا الفهم للسياق يصلح في رد رواية حكم العلماء بأن لها حكم المرفوع إلى رسول اللهe وهي سبب النزول الصحيح الصريح. مع العلم بأنه ليس من باب الاجتهاد كما هو الحال في دلالة السياق التي يدافعون عن حجيتها.

6-     يبالغ أهل هذا الرأي في الربط بين السبب والسياق، مع أن علاقة السياق الكبيرة هي بالمناسبة المأخوذة من ترتيب القرآن الكريم، وليست المأخوذة من سبب النزول، إذ لا علاقة له بترتيب القرآن الكريم كما هو معلوم، وإنما الإشكال فقط عندما يفرض السبب نفسه على السياق([76]) بحيث يتناقض معه، فلا يمكن الجمع، وعندها إما أن نلغي دلالة السياق وإما الرواية في السببيه: فأما إلغاء الرواية فهو خسارة محققة لما حَكم العلماء عليه بأنه ليس من باب الاجتهاد، وألحقوه بالمرفوع إلى رسول اللهe، فهي خسارة لا تعوض.

وأما إلغاء دلالة السياق، فهو إلغاء اجتهاد فرد أو أفراد، قابل للقبول والرد من أساسه، وهو صحيح عند من ارتآه فقط، وإلغاء هذه الدلالة لا يعني أكثر من الذهاب إلى دلالة أخرى للسياق تجمع النص والمناسبة والسبب، وهذا ما فعله الطبري في أول مثال ناقشته مع الدكتور فضل. مع العلم بأن هذه الحالات قليلة جدا.

7-      المرجحون لدلالة السياق لا يردّون أقوال العلماء التي جاء بها المرجحون لسبب النزول، فما ذكر من أقوال الطبري وغيره عندهم، مذكور عند أصحاب دلالة السياق، إلا أن المرجحون لدلالة السياق يأخذون صدْر أقوال العلماء، ويغضون البصر عن عَجُزها؛ فيأخذون قول العلماء بأهمية السياق وأثره في الترجيح والتبيين وغير ذلك، ويتركون آخر كلام العلماء الذي يوضح بجلاء أنهم يتركون هذه الدلالة في حال ورود الحجة المعترضة مع عدم إمكان الجمع. مع علم أصحاب دلالة السياق بأن هؤلاء العلماء الذين يوظفونهم لصالحهم يقرون بأن سبب النزول الصريح الصحيح له حكم المرفوع عندهم وعند غيرهم. وأنه من الحجج الشرعية([77])!.

 

وأما المرجحون لسبب النزول الوارد بالصيغة الصريحة الصحيحة على السياق، فأقول بأنهم ساروا على المعهود المعروف الذي سارت عليه علماء الأمة عبر التاريخ الإسلامي، وعلى كل حال فما جاء به أصحاب هذا الرأي من أدلة ـ بالشكل الإجمالي ـ لا غبار عليه. ولكن على وجه التفصيل لدي بعض الملاحظات التي قد تكون سببا في اجتماع الرأيين:

يبدو لي بأن تعاريف صيغ أسباب النزول، وطريقة فهم حكم الصريحة منها كان لها أثر في هذا الخلاف.

فأصحاب ترجيح السياق وجدوا صيغا صريحة يستحيل برأيهم أن تكون سبب نزول، ولم يجدوا وسيلة للتخلص منها إلا: بإلغاء صيغ أسباب النزول من جهة([78])، وبرفع السياق فوقها من جهة أخرى، فحصل الإشكال. والذين عرّفوا الصيغة الصريحة في سبب النزول لم يُفصّلوا فيها بقدر الكفاية إذ لم تكن هناك حاجة لذلك.

وكنت قد قلت بأن الصيغة الصريحة مسألة لغوية، فلو قال مجنون من المجانين: زيد في بيته الآن. لكانت هذه الصيغة صريحة في كون زيد في بيته لحظة التكلم، ومن شك في صراحة ووضوح هذه الصيغة لا يكون عاقلا، حتى وإن لم يكن هناك رجل اسمه زيد! لأن كون الصيغة صريحة في دلالتها لا يعني أن الخبر صحيح، وبالتالي لو كذبنا الخبر فليس من الحكمة أن ننكر الصيغة كذلك، فلو فعلنا لحطمنا أسسا في القضاء، ولأنكرنا مدلولات الكلام الذي يتفاهم به الناس، واستقامت عليه العقول.

وإنما أخذ الصحابي حكم المرفوع لصيغته الصريحة من كونه عَدْل بالاتفاق من جهة، وكون السّببية ليست مسألة اجتهادية وإنما وقفية. ورد قول الصحابي في هذه المسألة لا يختلف عن رد قوله في أي مسألة أخرى عقدية أو فقهية بحجة أنه لا يحسن التعبير الذي تفهمه العقول!

هذا من حيث الصيغة، وأما من حيث تناقض السبب الصريح الصحيح مع دلالة السياق بحيث لا يمكن أن يكون هذا السبب سببا للنزول. فسأفترض بأن هذا الكلام واقع، فأقول:

إن العلماء عندما قالوا برفع الرواية الصريحة الصحيحة في سبب النزول لم يكتفوا بصحة السند وكون الصيغة صريحة في السببية. بل ينظرون في كل ما من حقه أن يؤثر في صحة الرواية ككل، بما في ذلك من علل خفية قد سببت هذا التناقض يعرفها أهل العلم، وإذا كانت العلة القادحة كافية في تضعيف حديث مرفوع إلى جناب الرسولe رفعا صريحا، لهي أجدر في أن تضعف رواية مرفوعة إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حكما!l

الخاتمة

ظهر من خلال البحث بأن السياق يحتاج إلى تعريف دقيق إن لم أقل إلى تعاريف حسب نوعه وقوته، وأن الذين رجحوا السياق على سبب النزول الصحيح الصريح إنما رجحوا ظنا واجتهادا ذوقيا على حجة شرعية ثابتة بالتوقيف متفق عليها، وما ألجأهم إلى هذا إلا البعد عن طرق الجمع بين الأدلة وأساليب الترجيح بينها، فبدلا من الجمع بين النصوص الذي هو منهج العلماء، لجؤوا إلى تضعيف الروايات الثابتة وهو أسهل الطرق، لكن مخاطره على الدين والبحث العلمي كبيرة.

كما اتضح بأن الأئمة لم يختلفوا في هذه المسألة من قبل، ولذلك لم يستطع المرجحون للسياق أن يوردوا أي حوار دار بينهم في هذه المسألة، أو أن يأتوا بدليل صريح واضح لا لبس فيه يصلح للاحتجاج، وهذا ما حدا بهم إلى حشد الروايات الضعيفة  وتوظيف أقوال العلماء وما اقتبسوه من نصوص بطريقة غير أكاديمية، لا تنهض للاحتجاج عند التثبت والمراجعة.

وبالتالي انتهى البحث إلى ترجيح سبب النزول الصحيح الصريح المعتبر السليم من العلل، على السياق الذي يرتئيه البعض، في حال عدم إمكان الجمع بينهما، ثم الانتقال إلى سياق آخر يجمع بين أطراف السياق المعتبرة بطريقة علمية أصيلة.

ولم تكن هذه النتيجة بدعة جديدة، وإنما هي ما سار عليه العلماء من القديم، وإنما دعت الحاجة إلى هذه الدراسة بسبب ما بدأ يطفو على الساحة الثقافية، إلى درجة أن تُجاز رسائل علمية تقول غير ذلك.

 

والله أعلم، وهو من وراء القصد

والحمد لله رب العالمين

 

تم البحث..

 

الأستاذ الدّكتور محمد أبو زيد أبو زيد

l

المصادر والمراجع

 

        l القرآن الكريم برواية حفص عن عاصمl

1.           إتقان البرهان في علوم القرءان ـ د.فضل حسن عباس ـ دار النفائس ـ الأردن – ط1 – 1430 -2010م

2.           الإتقان في علوم القرآن ـ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ـ دار الفكر – لبنان ـ ط1ـ  1416هـ- 1996م

3.           الأعلام - خيرالدين الزركلي ـ دار العلم للملايين ـ لبنان ـ ط15ـ 2002م.

4.     البحر المحيط ـ محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي ـ دار الكتب العلمية ـ لبنان ـ بيروت - ط1 - 1422هـ -2001م

5.           البرهان في علوم القرآن ـ محمد بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله ـ دار المعرفة – بيروت -1391هـ 

6.     البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع ـ محمد بن علي الشوكاني ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط1 ـ 1998م

7.     التبيان في أقسام القرآن ـ محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ دار المعرفة ـ بيروت.

8.           التحرير والتنوير ـ محمد الطاهر بن عاشور ـ دار النشر : دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م

9.     التسهيل لعلوم التنزيل ـ محمد بن أحمد بن جزي الكلبي ـ تحقيق الناشر ـ دار الكتاب العلمية ـ لبنان ـ ط1 ـ 1995م

10.   التفسير القيم ـ محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية ـ جمع محمد أويس الندوي ـ تحقيق محمد حامد الفقي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ 

11.   التفسير الكبير (مفاتيح الغيب ) ـ فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي–ط1 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت - 1421هـ - 2000م 

12.      التوقيف على مهمات التعاريف ـ عبد الرؤوف بن المناوي ـ عالم الكتب ـ ط1 ـ 1410هـ-1990م

13.   الجامع لأحكام القرآن ـ أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ـ تحقيق عبد الله التركي ـ مؤسسة الرسالة – بيروت ـ لبنان ـ ط1ـ 1427هـ ـ 2006م.

14.   الجواهر الحسان في تفسير القرآن ـ عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي ـ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت

15.   الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ـ الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني ـ تحقيق مراقبة / محمد عبد المعيد ضان ـ الناشر مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ حيدر آباد ـ الهند ـ 1392هـ/ 1972م

16.   الرسالة ـ محمد بن إدريس أبو عبد الله الشافعي - تحقيق : أحمد محمد شاكر ـ دار الكتب العلمية ـ لبنان ـ 1358- 1939

17.   السياق القرآني وأثره في التفسير، دراسة تطبيقية على تفسير ابن كثير ـ رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير ـ جامعة أم القرى ـ عبد الرحمن عبد الله سرور جرمان المطيري ـ 1429هـ ـ 2008م.

18.   السياق القرآني وأثره في الترجيح الدلالي (رسالة دكتوراه) ـ د. المثنى عبد الفتاح محمود ـ جامعة اليرموك ـ الأردن ـ 1426هـ ـ 2005م.

19.   الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ـ إسماعيل بن حماد الجوهري ـ تحقيق أحمد عبد الغفور عطارـ دار العلم للملايين – بيروت ـ ط4ـ 1407 هـ - 1987م

20.   القاموس المحيط ـ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ـ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى ـ مصر ـ ط2 ـ 1371ـ١٩٥٢

21.   متن القصيدة النونية ـ محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية ـ مكتبة ابن تيمية ـ ط2ـ القاهرةـ 1417هـ

22.      اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ـ محمد فؤاد عبد الباقي ـ دار الفكر ـ بيروت

23.   المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ـ أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي ـ تحقيق : عبد السلام عبد الشافي محمد ـ دار الكتب العلمية - لبنان –ط1 ـ 1413هـ ـ 1993م

24.   المحرر في أسباب النزول (رسالة دكتوراه)ـ خالد بن سليمان المزيني ـ دار ابن الجوزي ـ المملكة العربية السعوديةـ ط1ـ 1427هـ

25.      المعجم الوسيط ـ مجمع اللغة العربية في القاهرة ـ دار الدعوة.

26.   الموافقات في أصول الفقه ـ إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ـ تحقيق: عبد الله دراز ـ دار المعرفة – بيروت

27.   أحكام القرآن ـ أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي ـ تحقيق: محمد عبد القادر عطا ـ دار الفكر للطباعة والنشر – لبنان

28.   إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول ـ محمد بن علي بن محمد الشوكاني ـ تحقيق محمد سعيد البدري أبو مصعب ـ دار الفكر ـ بيروت ـ  1412 – 1992

29.   تاج العروس من جواهر القاموس ـ محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني أبو الفيض الملقّب بمرتضى الزَّبيدي ـ تحقيق مجموعة من المحققين ـ دار الهداية.

30.   تفسير ابن تيمية (التفسير الكبير) ـ أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس ـ دار الكتب العلمية للنشر ـ  2000 م ـ لبنان

31.      تفسير القرآن ـ أبو بكر بن المنذر النيسابوري

32.      تفسير القرآن العظيم ـ إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء– ـ دار الفكر- بيروت ـ 1401هـ 

33.      تيسير مصطلح الحديث ـ محمود الطحان ـ مكتبة المعارف ـ الرياض

34.   خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ـ تقي الدين داود المحبي ـ محمد أمين بن فضل الله المحبي الحنفي ـ دار الكتب العلمية للنشر ـ لبنان ـ   2006

35.   روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ـ العلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي ـ دار إحياء التراث العربي – بيروت.

36.   زاد المسير في علم التفسيرـ عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ـ  المكتب الإسلامي ـ ط3– بيروت ـ  1404هـ

37.   سنن الترمذي بأحكام الألباني ـ ـ محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي ـ تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون ـ دار إحياء التراث العربي – بيروت

38.   سير أعلام النبلاء ـ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبو عبد الله- تحقيق: شعيب الأرناؤوط , محمد نعيم العرقسوسي–ط9ـ 1413هـ ـ مؤسسة الرسالة – بيروت

39.   شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح ـ حققه: محمود الأرناؤوط ـ خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط ـ دار ابن كثير ـ ط1ـ 1406 هـ - 1986 م ـ دمشق - بيروت

40.   شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ـ محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزيةـ دار المعرفة، بيروت، لبنان ـ 1398هـ/1978م

41.   ضياء التأويل في معاني التنزيل ـ عبد الله بن فودى (مخطوط)- يحقق في الجامعة الأسمرية للعلوم الإسلامية ـ ليبيا ـ زليتن.

42.   فتح الباري شرح صحيح البخاري ـ أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني ـ المحقق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب ـ دار الفكر ـ لبنان.

43.   فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسيرـ محمد بن علي بن محمد الشوكاني ـ دار الفكر – بيروت.

44.      فوات الوفيات ـ محمد بن شاكر الكتبي ـ المحقق : إحسان عباس ـ دار صادر - ط1ـ بيروت

45.   قواعد الترجيح عند المفسرين ـ حسين بن علي بن حسين الحربي ـ رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ دار القاسم ـ المملكة العربية السعودية ـ ط1 ـ 1417هـ ـ 1996م.

46.      الكليات ـ أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي- مؤسسة الرسالة – بيروت ـ 1419هـ - 1998م ـ

47.      لسان العرب ـ محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ـ دار صادر – بيروت ـ ط1

48.   لسان الميزان ـ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ المحقق : عبد الفتاح أبو غدة ـ مكتب المطبوعات الإسلامية ـ غزة

49.      مباحث في علوم القرآن ـ مناع القطان ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط3

50.   مجموع الفتاوى ـ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، أبو العباس ـ المحقق : أنور الباز - عامر الجزار ـ دار الوفاء ـ المملكة العربية السعودية ـ ط3ـ 1426 هـ / 2005 م

51.   معالم التنزيل ـ للبغوي وهو أبو محمد الحسن بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء- تحقيق : خالد عبد الرحمن العك ـ دار المعرفة – بيروت.

52.      معجم المؤلفين - عمر رضا كحالة ـ مكتبة المثنى - دار إحياء التراث العربي بيروت

53.   مقدمة في أصول التفسير ـ أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ـ دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان ـ 1490هـ/ 1980م

54.   مناهل العرفان في علوم القرآن ـ محمد عبد العظيم الزرقاني ـ تحقيق ـ فواز أحمد زمرلي ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ ط1 ـ 1415هـ ، 1995م

55.   نظم الدرر في تناسب الآي والسور ـ برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر البقاعي ـ تحقيق عبد الرزاق غالب المهدي ـ دار الكتب العلمية - بيروت - 1415هـ - 1995م

56.   وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ـ إحسان عباس ـ دار صادر – بيروت ـ ط1ـ 1994م.

 

l



([1]) سورة الرحمن: 1 – 4.

([2]) القاموس المحيط ـ الفيروز آبادي: مادة: سوق. بتصرف بسيط.

([3])  تاج العروس من جواهر القاموس ـ الزبيدي: مادة: سوق.

([4]) هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي القزويني, الإمام العلامة اللغوي المحدث النحوي الأديب المالكي المعروف بالرازي، توفي سنة: 395هـ. سير أعلام النبلاء للذهبي: (رقم 65: ابن فارس). بتصرف بسيط.

([5]) لسان العرب ـ ابن منظور. وتاج العروس من جواهر القاموس ـ الزبيدي: مادة: سوق.

([6])  هو: عبد الرؤوف بن علي بن زين العابدين الملقب زين الدين الحدادي ثم المناوى القاهري الشافعي، شارح الجامع الصغير ، وشرح الشهاب وشرح آداب القضاء وطبقات الصوفية وغير ذلك، توفي سنة 1029 هـ أو في التي بعدها. راجع: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ـ الشوكاني :1/357. و خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ـ تقي الدين داود المحبي:  2/193.

([7]) التوقيف على مهمات التعاريف ـ المناوي: 1/ 184.

([8]) سورة الأحزاب:21.

([9])  تفسير البحر المحيط ـ أبو حيان الأندلسي:  7/216. وتفسير روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ـ الآلوسي: 21/168.

([10]) المعجم الوسيط ـ مجمع اللغة العربية في القاهرة: مادة سوق.

([11])  سباق الكلام: ما سبق من النص، ولحاقه: ما لحق منه: راجع:كتاب الكليات ـ أبو البقاء الكفوي: 508.

([12])السياق القرآني وأثره في الترجيح الدلالي (رسالة دكتوراه) ـ د. المثنى عبد الفتاح محمود: 14.

([13]) دلالة السياق القرآني في تفسير أضواء البيان للعلامة الشنقيطي (رسالة ماجستير من الجامعة الأردنية ـ أحمد لافي فلاح المطيري: 14

([14])السياق القرآني وأثره في تفسير المدرسة العقلية الحديثة ـ سعيد محمد الشهراني: ٢٢ , وهي رسالة دكتوراه غير مطبوعة مقدمة لجامعة أم القرى. نقلا عن: السياق القرآني و أثره في التفسير دراسة نظرية وتطبيقية من خلال تفسير ابن كثير ـ رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير ـ عبد الرحمن عبد الله سرور جرمان المطيري:65.

([15]) أثر السياق القرآني في التفسير, دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة ـ محمد عبد الله ربيعة: ١٩. وهي رسالة دكتوراه غير مطبوعة مقدمة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. نقلا عن المصدر السابق:66.

([16])  السياق القرآني و أثره في التفسير دراسة نظرية وتطبيقية من خلال تفسير ابن كثير ـ رسالة ماجستير  من جامعة أم القرى ـ عبد الرحمن عبد الله سرور جرمان المطيري:65. وما بعدها.

([17]) سورة النساء: 82.

([18]) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي الشهير بالشاطبي, مفسر أصولي محدث: من مؤلفاته: الموافقات في أصول الفقه، والاعتصام. توفي سنة ٧٩٠ ه. راجع: معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة: 1/118. والأعلام للزركلي: ١/ ٧٥ .

([19]) الموافقات: 1/38. وراجع التحرير والتنوير ـ ابن عاشور: 1/39.

([20]) راجع: نظم الدرر للبقاعي:1/18. ومجموع الفتاوى لابن تيمية: 14/41.

([21]) سورة البقرة: 35.

([22]) تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) ـ ابن كثير:1/233.

([23]) راجع: تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) - 1 / 7. ومعالم التنزيل ـ البغوي: 1/ 9. و مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ـ التبريزي: 2 / 204. و التبيان في أقسام القرآن ـ ابن القيم:187. وتفسير ابن تيمية: 3 / 312. و ضياء التأويل في معاني التنزيل ـ عبد الله بن فودى (مخطوط)- 3 / 28. و تفسير القرآن ـ أبو بكر بن المنذر النيسابوري : 1/8.

([24]) الأصمعي (122 - 216 هـ = 740 - 831 م) هو: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي: راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان.نسبته إلى جده أصمع. قيل له: الباهلي، وليس في نسبه اسم باهلة؛ لأن باهلة اسم امرأة مالك بن أعصر، وقيل: إن باهلة ابن أعصر. ومولده ووفاته في البصرة. وكان الرشيد يسميه: شيطان الشعر . وتصانيفه كثيرة، منها : الإبل ، و  الأضداد ، و خلق الإنسان . راجع: الأعلام - خيرالدين الزركلي: 4/ 162. ولسان الميزان ـ ابن حجر العسقلاني: 9/ 494. و وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ابن خلكان: 3/170.

([25]) سورة المائدة: 38.

([26]) تفسير زاد المسير ـ ابن الجوزي: 2/ 354 .

([27]) سورة المؤمنون: 60

([28]) سورة المؤمنون:61

([29]) سنن الترمذي بأحكام الألباني: 5 /327، ح:3175. وصححه الألباني.

([30])  سورة البقرة: 158.

([31]) اللؤلؤ و المرجان فيما اتفق عليه الشيخان ـ محمد فؤاد عبد الباقي: 385.

([32]) الرسالة: 62.

([33]) هو: ابن قيم الجوزية: (691- 751 هـ = 1292 - 1350م) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي، أبو عبد الله، شمس الدين: من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد كبار العلماء. والجوزية: اسم مدرسة كان يديرها أبوه. مولده ووفاته في دمشق. تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، وسجن معه في قلعة دمشق، وأهين وعذب بسببه، وطيف به على جمل مضروبا بالعصا. وألف تصانيف كثيرة منها: إعلام الموقعين، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية، و شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة. راجع: الأعلام - خيرالدين الزركلي: 6/56. وشذرات الذهب في أخبار من ذهب : 8/ 287.

([34]) مختارات من القصيدة النونية - 2/46، فصل: في التفريق بين الخلق والأمر.

([35] ) سورة الدخان:49.

([36]) البرهان في علوم القرءان ـ الزركشي: 2 / 200ـ201.

([37]) تفسير الرازي (التفسير الكبير): 10 / 113.

([38])  هو: ابن جزي الكلبي (693 - 741 هـ = 1294 - 1340 م) محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي، أبو القاسم: فقيه من العلماء بالأصول واللغة.من أهل غرناطة.من كتبه: القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، و تقريب الوصول إلى علم الأصول، والتسهيل لعلوم التنزيل، قال المقريزي: فقد وهو يحرض الناس يوم معركة طريف. راجع: الأعلام - خيرالدين الزركلي:5/ 325. والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ـ ابن حجر العسقلاني: 5/ 88.

([39]) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: 1/13.

([40]) مجموع الفتاوى: 15 /94.

([41])  ابن دقيق العيد: (625 - 702 هـ = 1228 - 1302 م) محمد بن علي بن وهب بن مطيع، أبو الفتح، تقي الدين القشيري المصري المالكي الشافعي، أحد الأعلام وقاضي القضاة ، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد: قاض، من أكابر العلماء بالاصول، مجتهد. له تصانيف، منها: إحكام الأحكام، و الإلمام بأحاديث الأحكام، والإمام في شرح الإلمام. راجع: فوات الوفيات ـ الكتبي:3/ 442. والأعلام - خيرالدين الزركلي:6/ 283.

([42] ) اسمه الكامل: شرح الإلمام في أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد.

([43]) إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول ـ الشوكاني: 381.

([44]) انظر: القاموس المحيط ـ الفيروز آبادي. ولسان العرب ـ ابن منظور. المعجم الوسيط ـ مجمع اللغة العربية في القاهرة. والصحاح تاج اللغة ـ الجوهري: مادة (سبب).

([45]) راجع: الإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي: 1/94. ومناهل العرفان في علوم القرآن محمد عبد العظيم الزرقاني: 1/89. و مباحث في علوم القرآن ـ مناع القطان:74.

([46]) المحرر في أسباب النزول (رسالة دكتوراه)ـ خالد بن سليمان المزيني:1/105.

([47]) راجع: الإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي: 1/ 94. و مناهل العرفان ـ الزرقاني: 1/96. ومباحث في علوم القرآن ـ مناع القطان: 83.

([48]) انظر: مقدمة في أصول التفسير ـ ابن تيمية: 16. وفتح الباري شرح صحيح البخاري ـ ابن حجر :10/46. البرهان في علوم القرءان ـ الزركشي: 1/31. و الإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي: 1/ 94. و تيسير مصطلح الحديث ـ محمود الطحان: 1 /71.

([49]) يقول خالد سليمان المزيني في رسالته للدكتوراه ـ المحرر في أسباب نزول القرآن :117. لو قال قائل: إن هذا من أبين الأدلة على عدم وجود صيغ معينة لأسباب النزول فضلا عن تقسيمها إلى صريحة وغير صريحة لكان قائله حريا بالصواب.

([50]) البرهان في علوم القرءان ـ الزركشي: 1 /22. بتصرف بسيط.

([51]) مقدمة في أصول التفسير: 16.

([52]) إتقان البرهان في علوم القرءان ـ د.فضل حسن عباس: 1/343 وما بعدها. وقد تبنى أفكار الشيخ فضل تلميذه: المثنى عبد الفتاح محمود، حيث أشرف الدكتور فضل على رسالته في الدكتوراه وكان عنوانها: السياق القرآني وأثره في الترجيح الدلالي ـ جامعة اليرموك ـ الأردن ـ 2005م: 218 وما بعدها.

([53]) إتقان البرهان في علوم القرءان ـ د.فضل حسن عباس: 1/348 وما بعدها.

([54]) سورة آل عمران: 84- 89.

([55]) علم المناسبات: علم يدرس علل ترتيب الآيات والمقاطع  والسور في القرآن الكريم وغير ذلك من وجوه المناسبة مثل التناسب بين السورة واسمها. وفواتح الآيات والسور وخواتيمها.راجع: البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/35. والإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي: 2/288 وما بعدها. وكتاب نظم الدرر في تناسب الآي والسور للبقاعي كله في هذا الخصوص.

([56]) سورة الأنفال:27.

([57]) سورة هود:5.

([58]) سورة يس:12.

([59]) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: 40.

([60]) راجع تفسير الآية في : الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي. و المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ـ ابن عطية , و روح المعاني ـ الآلوسي. و الجواهر الحسان في تفسير القرآن  ـ الثعالبي.

([61]) سورة فصلت:22.

([62]) يقول الزركشي: وقد تنزل الآيات على الأسباب خاصة، وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها منه من الآي رعاية لنظم القرآن وحسن السياق فذلك الذى وضعت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة إذ كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام. البرهان في علوم القرءان: 1 / 25. وانظر الإتقان في علوم القرآن ـ السيوطي: 1/65.

([63]) يقول الدكتور صبحي الصالح: كان القرآن ينزل على الأسباب منجما تبعا لما تفرق من الوقائع، وكان النبي الكريم يأمر بكتابة الآية أو الآيات مع ما يناسبها من الآي في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها تثبيتا لمفهوم الوحي، ورعاية = لنظم القرآن وحسن السياق، وكان في جمعهم بين السبب التاريخي والسياق الأدبي ما لا تدرك العبارة وصفه من رهافة حسهم النقدي والفني. مباحث في علو م القرآن:60.

([64]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ـ محمد فؤاد عبد الباقي: 881.

([65]) راجع كتابه: المحرر في أسباب النزول (رسالة دكتوراه): 180 وما بعدها.

([66]) سورة النساء: 60.

([67])المحرر في أسباب النزول: 181.

([68]) الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): 6/147.

([69]) سورة المائدة: 33-34.

([70]) المحرر في أسباب النزول: 183 وما بعدها.

([71]) قواعد الترجيح عند المفسرين (رسالة ماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية): 241 وما بعدها. و 125 وما بعدها.

([72]) راجع: الناسخ والمنسوخ ـ أبو جعفر النحاس:2/360. وأحكام القرآن ـ ابن العربي: 1/143. و التفسير القيم لابن القيم: 182. و تفسير فتح القدير للشوكاني:4/16. و الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي: 5/121 و 9/110. و مباحث في علوم القرآن ـ صبحي الصالح: 129.

([73]) جامع البيان: 9 /389. و انظر كذلك: 11/90.

([74]) هكذا عرف السياق د.خالد المزيني في كتابه: المحرر في أسباب النزول: 180. وهو تعريف لغوي سليم، إلا أنه لم يعرف لنا موطن النزاع وهو دلالة السياق، ومتى تكون حجة؟ ومتى لا تكون؟ وعن أي سياق يتحدث عن سياق يعرفه الفرد، أم عن سياق اتفقت عليه الأمة؟ أم عن سياق دلت عليه أحاديث صحيحة؟ أم ماذا؟

([75]) انظر المحرر في أسباب النزول: 478.

([76]) يقول الزركشي: واعلم أنه جرت عادة المفسرين أن يبدءوا بذكر سبب النزول، ووقع البحث أيما أولى البداءة به بتقدم السبب على المسبب أو بالمناسبة؛ لأنها المصححة لنظم الكلام وهى سابقة على النزول؟ والتحقيق التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفا على سبب النزول... فهذا ينبغى فيه تقديم ذكر السبب؛ لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد، وإن لم يتوقف على ذلك فالأولى تقديم وجه المناسبة. البرهان في علوم القرءان: 1 / 34.

([77]) يقول الدكتور فضل: "ولكن الذي أود أن أنبهك عليه هنا أنه إذا قال الصحابي: حدث كذا فنزلت كذا، فإن ذلك يعد من قبيل المرفوع إلى الرسولe:إتقان البرهان في علوم القرآن: 1/334.

([78]) سبقت الإشارة إلى هذا القول.